top of page

حق المشتبه فيه بالاتصال بمحامي


تبدأ المحاكمة من لحظة الإمساك بالمشتبه فيه الى غاية صدور حكم بات.

مرحلة البحث التمهيدي تحدد مستقبل المحاكمة ووجهتها و مآلها، سواء على مستوى النيابة العامة أو قضاء التحقيق أو قضاء الحكم [1].

إنها المرحلة التي أضاف فيهاالقانون المغربي بعض الحقوق التي استقاها من المواثيق الدولية و التشريعات المقارنة و التي تخص المشتبه فيهمن بينها حق الدفاع ، خاصة ما يتعلق بحققه في الإتصال بمحامي ، الذي هو حق أقرته المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.

فالبرجوع الى قانون المسطرة الجنائية خاصة المادتين 66 و 80 منه نجد أن المشرع المغربي نص على هذا الحق صراحة ، حيث أنه قام بفتح نافدة ضيقة يطل منها المحامي أثناء وضع المشتبه فيه في الحراسة النظرية إلا أن هذه الضمانة تظل ضعيفة جدا،إذ ليس له أي إتصال به قبل إستجوابه بل له ذلك إثر تمديد مدة الحراسة النظرية . و لن يكون لإتصاله به فائدة عملية إلا إنأمكنه ذلك في بداية البحث ليخبره بحقوقه، و ليطلب منه إنجاز أعمال تظهر الحقيقة مثل الإنتقال الى عينالمكان و إنجاز خبرات معينة ، و الإستماع الى أشخاص معينين...

إلا أن هذا الحق الذي تم منحه للمشتبه فيه كضمانة عند وضحه تحت الحراسة النظرية لا يمنح له مباشرة بعد التمديد بل فرضت عليه قيود و شروط من أجل أن يتمتع به المشتبه فيه ويخول له ضمانة كبيرة في هذه المرحلة.

إن هذا الحق يطرح مشاكل عديدة عند تطبيقه في الواقع .إذن كيف تم تكريس هذا الحق في التشريع المغربي؟ وهل جاء متوافقا مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة؟

إن معالجة هذا الموضوع تستدعي الوقوف على حق المشتبه فيه بالإتصال بمحامي (أولا) و القيود الواردة على هذا الحق (ثانيا).


أولا : حق المشتبه فيه بالاتصال بمحامي



بالرجوع الى المادة 66 و 80 من قانون المسطرة الجنائية ، و من خلال قراءة سطحية لها دون سبر أغوارها فإنها تعزز حقوق المشتبه فيه و تضيف ضمانات جديدة له و لحقوقه أثناء مرحل البحث التمهيدي .

حيث منحت للمشتبه فيه حق التمسك بالإتصال بمحاميه عند إلقاء القبض عليه و وضعه تحت الحراسة النظرية من طرف الشرطة القضائية.

فقد نصت المادة 66 من نفس القانون على هذه الإمكانيةمن حيث الإجراءات التي يجب إحترامها ووضعت كذلك شروط وآجال لا يجب تجاوزها.

حيث أنه يحق للشخص الذي تم إلقاء القبض عليه و تم وضعه تحت الحراسة النظرية تعيين محامي و كذلك له الحق في طلب تعيينه في إطار المساعدة القضائية.

تقوم الشرطة القضائية فوراً بإشعار المحامي المعين مع إخبار النقيب بذلك. و إذا طلب المعني بالأمرتعيين محام في إطار المساعدة القضائية تقوم الشرطة القضائية فورا بإشعار النقيب الذي يتولى تعيين هذا المحامي. و في حالة ما إذا تبين أن الشخص الذي إستفاد من المساعدة القضائية موسراً فيبقى التساؤل المطروح هو" هل سيستمر المحامي المعين من طرف النقيب معه في إطار المساعدة القضائيةفي الدفاع عنه أو سيتقاضى أتعابه منه في هذه المرحلة؟".

إن هذه المادة أيضا حددت المدد التي يجب أن يخول فيها هذا الحق للمشتبه فيه وذلك حسب نوع كل جريمة على حدى، حيث إن الحق في الاتصال بمحام من طرف المشتبه فيه يتم قبل إنتهاء نصف المدة الأصلية للحراسة النظرية في الجرائم العادية. فيما يخص هذا المقتضى إن المشرع لم يحدد ما المقصود بنصف المدة الاصلية هل النصف الأول أم الثاني فذكر نصف المدة ، و هذا ما سيضع الضابطة القضائية أمام غموض واضح في شرح هذا المقتضى.

في الجرائم الجنائيةيمكن لممثل النيابة العامة إذا تطلبت ضرورة البحث أن يؤخرالاتصال بالمحامي بصفة إستثنائية على ألا تتجاوز 12 ساعة إبتداءا من إنتهاء نصف المدةالأصلية للحراسة النظرية.

عندما يتعلق الأمر بجريمة إرهابية أو بالجرائم المشار اليها في المادة 108 منقانون المسطرة الجنائية ، فإن يتم الإتصال بالمحام يتم قبل إنقضاء المدة الأصلية للحراسة النظرية.

ويبدو أن هذا النص جاء في البداية عاما ليشمل كافة الأوضاع القانونية التي يمكن أن يترتب عنها الوضع تحت الحراسة النظرية و التي يكون فيها الحق للمشتبه فيه بالإتصال بمحام.

كذلك أيضا فإنه بمقتضى المادة 80 من قانون المسطرة الجنائية يحق للشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية في حالة تمديدها أن يطلب من ضباط الشرطة القضائية الإتصال بمحام. كما يحق للمحامي المنتصب الإتصال بالشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية.

أما بالرجوع الى ما هو متعارف عليه دوليا وفق منظومة حقوق الانسان فإنه يحق لجميع المشتبه فيهموالمتهمين،سواءأكانوامحتجزين أم غيرمحتجزين،الإتصال بمحام والإستعانة بمشورته منذا للحظة الأولى لبدءالتحقيق الجنائيمعهم. و الشخص الذي يقبض عليه أو يحتجز ينبغي أن يكون قادرا على الإتصال بمحام حالمايبدأحرمانه منحريته.و لهؤلاء أيضا أنيحصلواعلى المساعدةمن قبل محام أثناءالتحقيق معهم من جانب الشرطة وقاضي التحقيق،حتى إذاكانوايمارسون حقهم في التزامالصمت.[2]

و الملاحظ أن المشرع المغربي منح هذا الحق وفق ما هو متعارف عليه دوليا إلا أنه لم يسر وفقهذا الإتجاه في منحه له مباشرة بل تركه بعد مرور مدة معينة.

عملت النصوص القانونية على تكريس حق المشتبه فيه بالإتصال بمحام إلا أنه تم ربط هذا الحق بقيود ، مما أثار اختلاف الآراء بخصوص نجاعة هذا الحق و عدم نجاعته ، حيث أنه هناك من ينظر لهذا المقتضى بإيجابية كونه رفع الغطاءعن المرحلة البوليسية التي كانت تشكل خطا أحمرا محظورا على المحامي تجاوزه بمبرر سرية البحث التمهيدي[3] والخوف من طمس وسائل الإدانة . فهذا الإجراء يظل أمرا مشجعا وفيه تعزيز لحقوق الدفاع و لبنة أساسية في المحاكمة العادلة حيث أنه قطع مراحل الخروقات التي كانت تعرفها مخافر الشرطة ، رغم أن دور المحامي ينحصر في تقديم ملاحظات كتابية تضاف إلى المحضر . فإنه يبقى إجراءا مشجعا و مؤثرا في هذه المرحلة.

أما الرأي الآخر فإنه يرى بأن هذا المقتضى مجرد حبر على ورق و يصف هذه المرحلة بالحضور الغائب للمحامي في مرحلة البحث التمهيدي.حيث أنه لا بكون لإتصال المشتبه فيه بمحام أي فائدة عملية و ذلك كون القيود المفروضة على الحق أفرغته من ضماناته.

كذلك فإن الإتصال بين المحامي و المشتبه فيه يجب ان يتم في إطار من السرية، ويتعين على السلطات أن توفر لهم مساحة كافية من أجل الحفاظ على سرية الإتصالات بينهم ، سواء كان لقاء مباشرا أو عن طريق الهاتف أو الخطابات ، و يجوز أن تجري هذه اللقاءات او الإتصالات الهاتفية تحت بصر الآخرين و ليس سمعهم . و ذلك تحت رقابة الشرطة القضائية.بالإضافة الى منع المحامي إخبار أي كان بما راج خلال الاتصال بموكله قبل انقضاء مدة الحراسة النظرية.

و قد فسرت اللجنة المعنية بحقوق الانسان المادة 14 من العهد الدولي، التي تضمن الحق في الإتصال بالمحامي ، بقولها إن هذه المادة تلزم المحامي بالإتصال بالمتهم في ظل أوضاع توفر الإحترام الكامل لسرية هذه الإتصالات.

و لا يجوز اعتماد المراسلات المتبادلة بين المحامي و موكله كدليل للإدانة ما لم تتصل بجريمة مستمرة أو يُدَبر لارتكابها[4] .

تجدر الإشارة الى أن القانون لم يحدد الوسيلة التي يجب أن يتم الإتصال بها سواء من طرف المشتبه فيه للمحام أو من طرف المحامبالمشتبه فيه ، و لا كيفية هذا الإتصال إلا أن الواقع العملي يستلزم إعتماد الهاتف لسرعته في الاتصال.

فرغم منح المشرع المشتبه فيه هذه الضمانة في مرحلة البحث التمهيدي ، إلا أنه ربطها بقيود تسلب هذا الحق (حق المشتبه في في الاتصال بمحام ) من مميزاته التي تتوافق مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.


ثانيا :القيود الواردة على حق المشتبه فيه في الاتصالبالمحامي


إن هذا الحق رغم وروده كضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة إلا أنه يبقى مقيدا بأصفاد المشرع ، حيث أنه فرض قيودا على هذا الحق ،بحيث لايمكن منح المشتبه فيه هذا الحق تلقائيا اذ يجب الحصول على ترخيص من النيابة العامة و ذلك تحت قيد زمني يقيد هذاالإتصال و المتمثل في 30 دقيقة.و يتم الإتصال تحت رقابة ضباط الشرطة القضائية في ظروف تكفل سرية المقابلة. أما في حالة تعذر الحصول على ترخيص النيابة العامة خاصة لبعد المسافة، فإن ضابط الشرطة القضائية يأذن بصة استثنائية للمحامي بالإتصال بالشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية على أن يعد تقريرا في هذا الشأن الى النيابة العامة.

في هاته الحالة أي عدم الحصول عل ترخيص النيابة العامة لإتصال المشتبه فيه بالمحام، و كذلك إن تمت إجازة إتصال المحام بالمشتبه فيه وفق ما ذكر أعلاه فهنا تطرح مشاكل من بينها كيف سيتم إتصال المحام بالمشتبه فيه و وسائل الاتصال غير واردة أو محددة ، هل سيتم ذلك عن طريق الهاتف مع العلم أن الشخص الذي يكون تحت الحراسة النظرية لا يتوفر على الهاتف أو سيتم الإتصال به في الهاتف الشخصي لضابط من ضباط الشرطة القضائية أو سيتم حضوره الى عين المكان ، مع العلم أن مخافر الشرطة أو الدرك الملكي لا تشتمل على وسائل لوجستيكية أو بنية صالحة للإستقبال، وذلك حتى تمر لحظة التخابر في أجواء صحية تكفل الكرامة وتضمن الحقوقو توفر ظروف ملائمة من أجل القيام بهذا الإجراء، مع العلم أن مدة 30 دقيقة غير كافية إطلاقا خاصة أنها تكون بعد تمديد مدة الحراسة النظرية .في حين تبقى الآمال معلقة على توضيح ما يخص هذا الإتصال و كذا الزيادة في المدة المقررة له من أجل منح المحامي وقت كافي لمعرفة كل ما يتعلق أو يخص موكله في القضية المعروضة عليه و كذلك تتبع المراحل التي تتبع البحث التمهيدي .و كذلك منح هذا الإجراء للمشتبه فيه إثر إلقاء القبض عليه وفق ماهو متعارف عليه دوليا ، و ليس بعد تمديد مدة الحراسة النظرية حتى لا يبقى الإتصال بمحام مجرد إجراء شكلي.

أما فيما يخص الجريمة الإرهابية أو في الجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية ،حيث أنه يمكن لممثل النيابة العامة تأخير إتصال المحام بموكله و ذلك بناء على طلب من ضباط الشرطة القضائية ، إذا إقتضت ذلك ضرورة البحث، على ألا يتجاوز التأخير مدة 48 ساعة إبتدءا من إنصرام المدة الأصلية للحراسة النظرية. علما أن مدة الحراسة النظرية في الجرائم الإرهابية هي 96 ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة، بناء على إذن كتابي من النيابة العامة.

خاصة و أنه فيما يخص الجرائم الإرهابية فقد تمالتنصيص على مجموعة من المقتضيات الإستثنائية على المستوى المسطريفقد تدخل المشرع في قانون

03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب. حيث أطال فترة الوضع تحت الحراسة النظرية، خاصة أن جرائم الإرهاب خطيرة جدا وتستوجب القيام بتحريات طويلة و معقدة و لما تعرفه من تشدد في العقوبات ،و كذلك لما تصدره هذه الجريمة من رعب وخوف وانعدام الإستقرار ، لكن المشرع لم يستتني المشتبه فيهم في هذا النوع من الجرائم حيث خول لهم حقوق الدفاع وذلك من خلالإمكانيةالإتصال بمحام .


صفوة القول فإنه يمكن للمحام المرخص له بالإتصال بالشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية أن يقدم أثناء مدة تمديد هذه الحراسة وثائق أو ملاحظات كتابية للشرطة القضائية أو للنيابة العامة قصد إضافتها للمحضر مقابل إشهاد .

و الملاحظ في التشريع المغربي أن المشتبه فيه لم تخول له أي ضمانة من حقوق الدفاع قبل تمديد مدة الوضع تحت الحراسة النظرية ، أما في حالة عدم تمديدها ألن يحصل المشتبه فيه على هذا الحق الذي هو متوافق عليه دوليا ، و لهذا فإن الآمال تبقى معلقة ليرقى التشريع المغربي بهذا الحق و يجعله ضمانة للمشتبه فيه بمجرد إلقاء القبض عليه و وضعه تحت الحراسة النظرية دون ربطه بمرور مدة معينة على الوضع تحت الحراسة النظرية و كذلك منحه الوقت الكافي من أجل الإتصال و التواصل مع المحامي في إطار يكفل مستلزمات و معايير المحاكمة عادلة.

لائحة المراجع

المجلات :

- الطيب الأزرق، بين مؤسسة الاتهام و حقوق الدفاع،مجلة رسالة المحاماة، عدد 18 ، طبعة يوليوز 2002 ، مكتبة دار السلام الرباط.

- محمد بن التاجر ، حق المتهم في الاستعانة بمحامي أثاناء المحاكمة الجنائية ،مجلة النادي، عدد 1 ، طبعة 2013 .

المواقع الالكترونية:

- محرك البحث google ، دليل المحاكمة العادلة ،الطبعة الثانية منظمة العفو الدولية 2014، طبع في المملكة المتحدة ، نسخة مترجمة عن النسخة الأصلية بالانجليزيةالمعنونة:

AMNESTY INTERNATIONAL: FAIR TRIAL MANUAL

- عصام الابراهيمي ، الحضور الغائب للمحامي أثناء مرحلة البحث التمهيدي ،

html/http://etudiants-fsjes.e4press.com 09/11/2013

[1] الطيب الأزرق، بين مؤسسة الاتهام و حقوق الدفاع،مجلة رسالة المحاماة، عدد 18 ، طبعة يوليوز 2002 ، مكتبة دار السلام الرباط ،الصفحة 26.

[2]دليل المحاكمة العادلة ،الطبعة الثانية منظمة العفو الدولية 2014، طبع في المملكة المتحدة ، نسخة مترجمة عن الانجليزية ، الصفحة 44.

[3]. عصام الإبراهيمي، الحضور الغائب للمحامي أثناء مرحلة البحث التمهيدي

،html/http://etudiants-fsjes.e4press.com 09/11/2013

[4] محمد بن التاجر ، حق المتهم في الاستعانة بمحامي أثناء المحاكمة الجنائية ، مجلة النادي، عدد 1 ، طبعة 2013 الصفحة 69.


bottom of page